كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الْوَاوُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ، وَمَا بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ السِّيَاقِ الَّذِي وَضَعْنَا لَهُ الْعُنْوَانَ عَلَى مَجْمُوعِ مَا قَبَلَهُنَّ مِنَ الْقَصَصِ، لِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ فِي كَوْنِهِ حِكَمًا لَهُ وَعِبَرًا مُسْتَفَادَةً مِنْهُ، فَعَطْفُ الْجُمَلِ يَشْمَلُ الْكَثِيرَ مِنْهَا، كَالسِّيَاقِ بِرُمَّتِهِ، وَلَا وَجْهَ لِلْفَصْلِ هُنَا، وَالْقَرْيَةُ: الْمَدِينَةُ الْجَامِعَةُ لِزُعَمَاءِ الْأُمَّةِ وَرُؤَسَائِهَا الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا فِي عُرْفِ هَذَا الْعَصْرِ بِالْعَاصِمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا، وَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ يُبْعَثُونَ فِي الْقُرَى الْجَامِعَةِ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْبِلَادِ تَتْبَعُ أَهْلَهَا إِذَا آمَنُوا، وَالْبَأْسَاءُ: الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ كَالْحَرْبِ وَالْجَدْبِ وَشِدَّةِ الْفَقْرِ، وَالضَّرَّاءُ: مَا يَضُرُّ الْإِنْسَانَ فِي بَدَنِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ مَعِيشَتِهِ وَالْأَخْذِ بِهَا: جَعَلَهَا عِقَابًا، وَقَدْ تَكُونُ تَجْرِبَةً وَتَرْبِيَةً نَافِعَةً، وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {وَلَقَدْ أَرْسَلَنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (6: 42) فَيُرَاجَعُ (فِي ص 345 ج 7 ط الْهَيْئَةِ) فَإِنَّهُ بِمَعْنَى مَا هُنَا، وَلَكِنَّ السِّيَاقَ مُخْتَلِفٌ، فَلَمَّا كَانَ مَا هُنَا قَدْ وَرَدَ عَقِبَ قَصَصِ طَائِفَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، جُعِلَ هَذَا الْمَعْنَى قَاعِدَةً كُلِّيَّةً وَسُنَّةً مُطَّرِدَةً فِي الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمْ لِيَعْتَبِرَ بِهِ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ أَوْ قَرَأَهُ فِي عَصْرِ التَّنْزِيلِ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَمَّا كَانَ مَا هُنَالِكَ قَدْ وَرَدَ فِي سِيَاقِ تَبْلِيغِ خَاتَمِ الرُّسُلِ لِلدَّعْوَةِ وَمُحَاجَّةِ قَوْمِهِ، جَعَلَ خِطَابًا خَبَرِيًّا لَهُ، لِتَسْلِيَتِهِ وَتَثْبِيتِ قَلْبِهِ مِنْ جِهَةٍ، وَلِتَخْوِيفِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَإِنْذَارِهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا مُلَاحَظٌ هُنَا أَيْضًا، وَلَكِنْ بِالتَّبَعِ لِلِاعْتِبَارِ بِالسُّنَّةِ الْعَامَّةِ لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ.
وَالْمَعْنَى: ذَلِكَ شَأْنُ الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمُ الْهَالِكِينَ، وَمَا أَرْسَلْنَا نَبِيًّا فِي قَوْمِهِ إِلَّا وَقَدْ أَنْزَلَنَا بِهِمُ الشَّدَائِدَ وَالْمَصَائِبَ بَعْدَ إِرْسَالِهِ أَوْ قُبَيْلَهُ، لِنَعُدَّهُمْ وَنُؤَهِّلَهُمْ بِهَا لِلتَّضَرُّعِ، وَهُوَ إِظْهَارُ الضَّرَاعَةِ؛ أَيِ الضَّعْفِ وَالْخُضُوعِ لَنَا وَالْإِخْلَاصِ فِي دُعَائِنَا بِكَشْفِهَا، فَلَعَلَّ تُفِيدُ الْإِعْدَادَ لِلشَّيْءِ، وَجَعْلَهُ مَرْجُوًّا، وَمِمَّا ثَبَتَ بِالتَّجَارِبِ وَتَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ النَّفْسِ وَالْأَخْلَاقِ أَنَّ الشَّدَائِدَ وَمَلَاحِجَ الْأُمُورِ مِمَّا يُرَبِّي النَّاسَ، وَيُصْلِحُ مِنْ فَسَادِهِمْ، فَالْمُؤْمِنُ قَدْ يَشْغَلُهُ الرَّخَاءُ وَهَنَاءُ الْعَيْشِ فَيُنْسِيهِ ضَعْفَهُ وَحَاجَتَهُ إِلَى رَبِّهِ، وَالشَّدَائِدُ تُذَكِّرُهُ بِهِ، وَالْكَافِرُ بِالنِّعَمِ قَدْ يَعْرِفُ قِيمَتَهَا بِفَقْدِهَا، فَيَنْقَلِبُ شَاكِرًا بَعْدَ عَوْدِهَا، بَلِ الْكَافِرُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَنَبَّهَ الشَّدَائِدَ وَالْأَهْوَالَ مَرْكَزَ الشُّعُورِ بِوُجُودِ الرَّبِّ الْخَالِقِ الْمُدَبِّرِ لِأُمُورِ الْخَلْقِ فِي دِمَاغِهِ، وَتَذَكُّرِهِ بِمَا أَوْدَعَ فِي فِطْرَتِهِ مِنْ وُجُودِ مَصْدَرٍ لِنِظَامِ الْكَوْنِ وَأَقْدَارِهِ، كَمَا وَقَعَ كَثِيرًا، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَقَدْ رُوِيَ لَنَا أَنَّ الْحَرْبَ الْعُظْمَى قَدْ كَانَ لَهَا هَذَا التَّأْثِيرُ حَتَّى فِي أَقَلِّ النَّاسِ تَدَيُّنًا، وَهُمْ أَهْلُ مَدِينَةِ بَارِيسَ، فَكَانَتِ الْمَعَابِدُ تُرَى مُكْتَظَّةً بِالْمُصَلِّينَ فِي أَثْنَاءِ شَدَائِدِ الْحَرْبِ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ الْبَلَاغَةِ أَنَّ نُكْتَةَ خُلُوِّ جُمْلَةِ أَخَذْنَا أَهْلَهَا الْحَالِيَّةِ مِنَ الْوَاوِ، وَقَدْ هِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُقْتَرِنَةِ بِهِمَا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونُهَا مُقَدَّمًا عَلَى الْعَامِلِ فِيهَا كَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، فَإِذَا قُلْتَ: مَا فَعَلَ زَيْدٌ كَذَا إِلَّا، وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عُدَّتَهُ، كَانَ الْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ أَعَدَّهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي فِعْلِهِ لِأَجْلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (28: 59) أَيْ: مُتَلَبِّسُونَ بِالظُّلْمِ مِنْ قَبْلُ لَا حَالَ الْإِهْلَاكِ فَقَطْ، وَإِذَا قِيلَ: مَا فَعَلَهُ إِلَّا أَعَدَّ لَهُ عُدَّتَهُ شَمِلَ إِعْدَادَهَا قَبْلَهُ لِأَجْلِهِ وَهِيَ الْحَالُ السَّابِقَةُ، وَإِعْدَادَهَا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَهِيَ الْحَالُ الْمُقَارَنَةُ، بَلْ هَذِهِ الْمُتَبَادَرَةُ إِلَى الذِّهْنِ هُنَا، كَقَوْلِكَ: مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا أَجَابَنِي؛ أَيْ: عِنْدَ السُّؤَالِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ: إِلَّا وَقَدْ أَجَابَنِي، وَيَصِحُّ أَنْ تَقُولَ: مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا وَقَدْ أَذِنَ لِي؛ أَيْ: قَبْلَ السُّؤَالِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الْحَالُ مُقَارَنَةً فِي الْآيَةِ، اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا أَفَادَتْهُ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الِابْتِلَاءِ بِالسَّيِّئَةِ ثُمَّ بِالْحَسَنَةِ ثُمَّ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْكَثْرَةِ وَكُفْرِ النِّعْمَةِ وَاقِعًا كُلَّهُ بَعْدَ إِرْسَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي عَهْدِهِمْ، وَهُوَ قَدْ يَصْدُقُ فِي قَوْمِ نُوحٍ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّهَا تَشْمَلُ الْحَالُ السَّابِقَةُ وَالْمُقَارَنَةُ، فَلْيَتَأَمَّلْ فَإِنَّنَا لَمْ نَرَ لِأَحَدٍ بَحْثًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّ الْإِمَامَ عَبَدَ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيَّ حَقَّقَ أَنَّ الْحَالَ الْمُفْرَدَةَ تُفِيدُ الْمُقَارَنَةَ، وَالْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ تُفِيدُ سَبْقَ مَضْمُونِهَا، وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ قَوْلِكَ: عَلَى أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا، وَقَوْلِكَ: عَلَى أَنْ أَعْتَكِفَ وَأَنَا صَائِمٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي التَّفْسِيرِ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا} (4: 43) الْآيَةَ: (فَرَاجِعْهُ فِي ص 92 وَمَا بَعْدَهَا ج 5 ط الْهَيْئَةِ).
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ أَيْ: ثُمَّ بَلَوْنَاهُمْ بِضِدِّ ذَلِكَ، فَجَعَلْنَا الْحَالَةَ الْحَسَنَةَ فِي مَكَانِ الْحَالَةِ السَّيِّئَةِ كَالْيُسْرِ بَعْدَ الْعُسْرِ، وَالْغِنَى فِي مَكَانِ الْفَقْرِ، وَالنَّصْرِ عَقِبَ الْكَسْرِ، حَتَّى عَفَوْا أَيْ: كَثَرُوا وَنَمَوْا، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: وَهُوَ مِنْ: عَفَا النَّبَاتُ وَالشَّحْمُ وَالشَّعْرُ وَنَحْوُهُ إِذْ كَثُرَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيُسْرَ وَالرَّخَاءَ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ النَّسْلِ وَبِهِ تَتِمُّ نِعَمُ الدُّنْيَا عَلَى الْمُوسِرِينَ، وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذَا الِابْتِلَاءِ فِي الْقَصَصِ الَّتِي قَفَى عَلَيْهَا بِهَذِهِ الْعِبَرِ قَوْلُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَقَوْلُ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ وَلَا تَعَثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
وَقَوْلُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَلَكِنْ لَمْ تَزِدِ الْآلَاءُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ إِلَّا بُغْيًا وَبَطَرًا وَفَسَادًا فِي الْأَرْضِ: وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أَيْ: وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ قَوْلًا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ فِطْرَتِهِمْ، وَانْطِمَاسِ بَصِيرَتِهِمْ وَفَقْدِهِمُ الِاسْتِعْدَادَ لِلِاتِّعَاظِ وَالِاعْتِبَارِ بِأَحْدَاثِ الزَّمَانِ، وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ، وَتَقَلُّبِ شُئُونِ الْعُمْرَانِ، قَالُوا: قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا مِنْ قَبْلِنَا مَا يَسُوءُ وَمَا يَسُرُّ وَتَنَاوَبَهُمْ مَا يَنْفَعُ وَمَا يَضُرُّ، وَنَحْنُ مِثْلُهُمْ يُصِيبُنَا مَا أَصَابَهُمْ فَتِلْكَ عَادَةُ الزَّمَانِ فِي أَبْنَائِهِ، فَلَا الضَّرَّاءُ عِقَابٌ مِنَ الْخَالِقِ الْحَكِيمِ عَلَى مَعَاصٍ تُقْتَرَفُ وَرَذَائِلَ تُرْتَكَبُ، وَلَا السَّرَّاءُ جَزَاءٌ مِنْهُ عَلَى صَالِحَاتٍ تُعْمَلُ وَفَضَائِلَ تُلْتَزَمُ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُمْ جَهِلُوا سُنَنَهُ تَعَالَى فِي أَسْبَابِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ فِي الْبَشَرِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ، الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (13: 11) فَلَمَّا ذَكَّرَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِهَا لَمْ يَتَذَكَّرُوا وَلَمْ يَعْتَبِرُوا، بَلْ نَسُوا وَأَعْرَضُوا وَأَنْكَرُوا.
{فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أَيْ: فَكَانَ عَاقِبَةُ ذَلِكَ أَنْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَجْأَةً، وَهُمْ فَاقِدُونَ لِلشُّعُورِ بِمَا سَيَحِلُّ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَلُونَ سُنَنَ اللهِ تَعَالَى فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ فَلَا عَرَفُوهَا بِعُقُولِهِمْ، وَلَا هُمْ صَدَّقُوا الرُّسُلَ فِي نَذْرِهِمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سِيَاقِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (6: 44) وَذَلِكَ شَأْنُ الْكَافِرِينَ وَالْجَاهِلِينَ، إِذَا مَسَّهُمُ الشَّرُّ يَئِسُوا وَابْتَأَسُوا، وَإِذَا مَسَّهُمُ الْخَيْرُ أَشَرُّوا وَبَطَرُوا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْخَيْرُ قُوَّةً وَسُلْطَةً بَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَأَهْلَكُوا الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.
أَصَابَ أَهْلَ بَيْتٍ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ السُّورِيَّةِ نَفْحَةٌ مِنْ جَاهِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ أَبِي الْهُدَى الصَّيَّادِيِّ أَحَدِ الْمُقَرَّبِينَ مِنَ السُّلْطَانِ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِي عَصْرِهِ، فَنَهَبُوا بِجَاهِهِ الْأَمْوَالَ، وَانْتَهَكُوا الْأَعْرَاضَ، وَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ، فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ مَرَّةً فِي أَمْرِهِمْ فَقُلْنَا: أَلَمْ يَكُنْ خَيْرًا لِهَؤُلَاءِ لَوِ اغْتَنَمُوا هَذِهِ الْفُرْصَةَ بِاصْطِنَاعِ النَّاسِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَمَلِ الْبِرِّ النَّافِعِ لِلْوَطَنِ، فَإِنَّ جَاهَ أَبِي الْهُدَى لَيْسَ لَهُ دَوَامٌ، وَنَحْوًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، فَقَالَ السَّيِّدُ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ لَا يَفْهَمُونَ هَذِهِ الْحِكَمَ وَلَا يَعْقِلُونَهَا، وَلَقَدْ أَصَابَ وَالِدُهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ رِيَاسَةً إِدَارِيَّةً صَغِيرَةً كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَبَغَى وَبَطِرَ وَتَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ وَآذَى النَّاسَ، فَنَصَحْتُ لَهُ إِذْ كَانَ يُوادُّنِي وَيَحْتَرِمُنِي وَذَكَّرَتْهُ بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ، فَقَالَ لِي: يَا سَيِّدُ، إِنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ يَوْمًا يَرْقُصُ لَهُ فِيهِ الزَّمَانُ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ فِيهِ، وَلَا يُضَيِّعَ الْفُرْصَةَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَعْنَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} (17: 83، 84) وَقَالَ: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} (42: 48) الْمُرَادُ بِالْفَرَحِ مَا كَانَ عَنْ بَطَرٍ وَغُرُورٍ، وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (10: 22، 23) اقْرَأْ تَتِمَّةَ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ رُسُلُهُ حَقًّا فَهُمُ الَّذِينَ تَكُونُ الشَّدَائِدُ وَالْمَصَائِبُ تَرْبِيَةً لَهُمْ وَتَمْحِيصًا، كَمَا تَكُونُ لِلْكَافِرِينَ عِقَابًا وَإِبْلَاسًا، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، أَظْهَرَهَا بَيَانُهُ إِيَّاهُ بِالتَّفْصِيلِ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: إِذْ قَضَتْ حِكْمَتُهُ بِأَنْ يُقَصِّرَ الْمُسْلِمُونَ فِي سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ فِي الْحَرْبِ فَيَظْهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ، فَيُنْزِلُ تِلْكَ الْآيَاتِ الْحَكِيمَةَ الْمُبَيِّنَةَ لِلْحَقَائِقِ، وَسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ فِي الْحُرُوبِ وَالشَّدَائِدِ الَّتِي أَوَّلُهَا: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا إِلَى قَوْلِهِ: {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (3: 137- 141) وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (3: 140) وَلَكِنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْرِفَ هَذِهِ الْمُدَاوَلَاتِ بِأَسْبَابِهَا وَحِكَمِهَا، وَيَتَحَرَّى الِاتِّعَاظَ، وَتَرْبِيَةَ نَفْسِهِ بِهَا، لَا كَمَا يَرَاهَا الْكَافِرُونَ وَالْجَاهِلُونَ بِظَوَاهِرِهَا وَصُوَرِهَا، وَالْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْهَا تَتِمَّةٌ وَإِيضَاحٌ لَهَا، فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهَا فِي الْجُزْءِ الرَّابِعِ مِنَ التَّفْسِيرِ، وَفِي مَعْنَاهَا أَحَادِيثُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّنَا نَرَى غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ يَعْلَمُونَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَا لَا يَعْلَمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا الْقُرْآنُ، وَيَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا عِبَرًا وَتَقْوًى لِلْمُضَارِّ، يَظْهَرُ أَثَرُهَا بِاسْتِعْدَادِهِمْ لِلْمَصَائِبِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، حَتَّى لَا تَأْخُذَهُمْ بَغْتَةً، وَحَتَّى يَتَلَافَوْا شُرُورَهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ، وَنَرَى أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ جَاهِلِينَ وَغَافِلِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ فُتِنَ بَعْضُهُمْ بِهَؤُلَاءِ الْإِفْرِنْجِ وَحَسِبُوا أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ مِثْلَهُمْ فِي اسْتِمْتَاعِهِمْ وَاسْتِعْدَادِهِمْ لِدَفْعِ الشَّدَائِدِ، وَالِاسْتِفَادَةِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْوَقَائِعِ، إِلَّا إِذَا تَرَكُوا الْإِسْلَامَ وَنَبَذُوا هِدَايَةَ الْقُرْآنِ!! كَمَا فُتِنُوا هُمْ بِالْمُسْلِمِينَ بِاحْتِقَارِهِمْ لِدِينِهِمْ تَبَعًا لِاحْتِقَارِهِمْ لَهُمْ، وَطَعْنًا فِيهِ بِمَا يَظُنُّونَ مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي إِذْلَالِهِمْ وَإِضْعَافِهِمْ، فَمَا قَوْلُكَ فِي ظُلْمِ الْفَرِيقَيْنِ لَهُ، وَفِي انْتِهَاءِ الْحَرْبِ الْعَامَّةِ الْأَخِيرَةِ بِاسْتِيلَاءِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَقْطَارٍ عَظِيمَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَكَوْنِ أَشَدِّ أَهْلِ هَذِهِ الْأَقْطَارِ اسْتِسْلَامًا لِلذُّلِّ وَخُضُوعًا لِلْقَهْرِ، هُمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصَحُّ إِيمَانًا، وَأَحْسَنُ إِسْلَامًا؟ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ فِتْنَةً لِبَعْضِ زُعَمَاءِ شَعْبٍ سَلِمَ مِنَ الْهَلَاكِ بَعْدَ أَنْ كَادَ يُحَاطُ بِهِ، فَظَنُّوا أَنَّ التَّقَيُّدَ بِالْإِسْلَامِ سَبَبُ الْهَلَكَةِ وَالْإِلْقَاءِ بِالْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَأَنَّ فِي الِانْسِلَالِ مِنْهُ الْمَنْجَاةَ وَارْتِقَاءَ الْمَمْلَكَةِ؟!
قُلْنَا: إِنَّنَا كَشَفْنَا أَمْثَالَ هَذِهِ الشُّبَهَاتِ فِي تَفْسِيرِ كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، وَفِي غَيْرِ التَّفْسِيرِ مِنَ الْمَنَارِ، وَبَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَرَكُوا هِدَايَةَ الْقُرْآنِ فِي حُكُومَاتِهِمْ وَمَصَالِحِهِمُ الْعَامَّةِ، وَفَوَّضُوا أُمُورَهُمْ إِلَى حُكَّامِهِمُ الَّذِينَ يَنْدُرُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ إِلْمَامٌ بِتَفْسِيرِهِ أَوْ عِلْمِ السُّنَّةِ، حَتَّى مَنْ سَلَّمُوا لَهُمْ بِمَنْصِبِ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، كَمَا تَرَكُوا هِدَايَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي أَعْمَالِ الْأَفْرَادِ، فَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُ مِنْ دِينِهِ إِلَّا مَا يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ مِمَّنْ يَعِيشُ مَعَهُمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَفِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ وَالسُّنَّةُ وَالْبِدْعَةُ، وَأَقَلُّهُمْ يَتَلَقَّى عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ بَعْضَ كُتُبِ الْكَلَامِ الْجَدَلِيَّةِ الَّتِي أَلِفَتِ الرَّدَّ عَلَى فَلْسَفَةٍ نُسِخَتْ وَبِدَعٍ بَادَ أَهْلُهَا، وَكُتُبِ الْفِقْهِ التَّقْلِيدِيَّةِ الْخَالِيَةِ مِنْ جُلِّ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي مِثْلِ مَوْضُوعِ الْآيَاتِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ آيَاتِ الشَّوَاهِدِ، حَتَّى بَلَغَ الْجَهْلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أُمِّ الْمَسَائِلِ الْخَاصَّةِ بِحَيَاتِهِمُ السِّيَاسِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ دَوْلَتِهِمْ، وَبَقَاءُ مُلْكِهِمْ أَوْ زَوَالُهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، أَنْ يَكْتُبَ الْأَفْرَادُ وَالْجَمَاعَاتُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فِيهَا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ أَئِمَّتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ، وَلِإِجْمَاعِ سَلَفِهِمْ عَلَى تَهَافُتٍ ظَاهِرٍ، وَاخْتِلَافٍ فَاضِحٍ، عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَدْ قَصَّرُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانَ الْعِلْمُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِمْ، وَمَلِكَةً مِنْ مَلَكَاتِهِمْ لَا وَرَقَةَ شَهَادَةٍ يَحْمِلُونَهَا مِمَّنْ سَبَقَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مِثْلَهُمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ لَا يُعَدُّ عَالِمًا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، حَتَّى يُعْتَدَّ بِشَهَادَتِهِ لِغَيْرِهِ، بَلْهَ مَا عُرِفَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ وَقَوْلِ الْكَذِبِ وَأَكْلِ السُّحْتِ، وَقَدِ اسْتَسْفَرَ بَعْضُ مُجَاوِرِي الْأَزْهَرِ الْمُقَدَّمِينَ لِامْتِحَانِ شَهَادَةِ الْعَالَمِيَّةِ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِعَرْضِ الرِّشْوَةِ عَلَى الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لِيُسَاعِدَهُمْ فِي الِامْتِحَانِ فَضَرَبَهُ الْأُسْتَاذُ- رَحِمَهُ اللهُ- بِيَدَيْهِ، وَرَفَسَهُ بِرِجْلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللهِ أَتُرِيدُ أَنْ أَغُشَّ الْمُسْلِمِينَ بِكَ وَبِأَمْثَالِكَ مِنَ الْجَاهِلِينَ بَعْدَ هَذِهِ الشَّيْبَةِ وَانْتِظَارِ لِقَاءِ اللهِ؛ فَأَكُونَ مِمَّنْ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا؟ وَلَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يُطَيِّبُهُمُ الْمَالُ وَيَحْفَلُونَ بِجَمْعِهِ وَلَوْ مِنَ الْحَلَالِ، لَكُنْتُ مِنْ أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ؟